واحة بلوكتشين في دولة الإمارات العربية المتحدة: من القطاع العام إلى القطاع الخاص
في بعض البلدان حول العالم، كان للحكومات تأثير خانق على اعتماد تقنية بلوكتشين. ولكن على العكس، كانت حكومة الإمارات العربية المتحدة ودبي هي القوة الدافعة وراء تعزيز استخدام بلوكتشين في البلاد.
وقد شهد عام ٢٠١٨ بعض التطورات الهامة على هذا الصعيد، لكن الأسس قد وُضعت منذ عامين.
فعبر القطاعين الخاص والعام، كان هناك دفعٌ لدمج هذه التقنية الجديدة لإصلاح الأنظمة الحالية. وقد شمل هذا خططًا لإطلاق عملة مشفرة والتي سيتم استخدامها من قبل المواطنين والدوائر الحكومية.
إم كاش
جاء الاقتراح الأول لإطلاق عملة مشفرة رسمية في دبي تسمى “إم كاش” في أكتوبر ٢٠١٧. وقد تم الترويج للعملة المشفرة بأنه سيم استخدامها في المدفوعات مقابل الخدمات الحكومية وغير الحكومية – وهي مربوطة بعملة الدرهم الإماراتي.
ومن الممكن أن يكون بمقدور المستهلكين استخدام إم كاش في الأشهر القليلة القادمة بعد أن وقّعت الحكومة صفقة مع عدد من الأطراف لإعداد مدفوعات نقطة البيع من أجل العملة المشفرة.
وقد تم الإعلان عن الشراكة يوم ٩ أكتوبر، والتي تشمل “إم كريديت”، وهي شركة تابعة لدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، ومقدم خدمة الدفع القائمة على بلوكتشين “بوندي إكس” وشريكتها “إيبوك فاينتيك آند لوياليتي لابز”.
وستكون إيبوك مسؤولة عن توفير محطات نقاط البيع في منافذ البيع بالتجزئة، في حين يتوقع أن تقوم بوندي إكس بإنشاء ١٠٠٠٠٠ وحدة بيع على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
اللوائح التنظيمية – عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية تؤدي إلى نهجٍ حذر
بدأ البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة العمل على إصدار تشريع في بداية عام ٢٠١٧ لمعالجة استخدام العملات المشفرة في البلاد.
وقد بلغ ذلك ذروته في تقريرٍ صادر عن هيئة تنظيم الخدمات المالية في أبو ظبي في أكتوبر ٢٠١٧، والذي نشر نتائجه حول عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية والعملات المشفرة – حيث صنفها بأنها شكل من الأوراق المالية والسلع على التوالي.
وفي نفس الوقت من العام الماضي حدثت موجة من اللامبالاة تجاه عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية، مع قيام بلدان مثل الصين بحظرها تمامًا. وكان لهذا تأثيرٌ بسيط، حيث قامت مؤسسات وهيئات تنظيمية أخرى بوضع تحذيرات للمستثمرين تركز على المخاطر المرتبطة بالاستثمار في عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية. ومن ضمنها كان قيام محافظ البنك المركزي الإماراتي، مبارك راشد المنصوري، بتحذير المواطنين من استخدام العملات المشفرة – وسط مخاوف من التقلبات والاستخدامات الجنائية.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الانخفاض المقابل في قيمة العملات المشفرة المختلفة بعد حظر الصين، حسبما قال المنصوري في خطابٍ ألقاه في قمة مجلس الخدمات المالية الإسلامية:
“ظهرت مخاطر التداول في العملات الرقمية بشكلٍ واضح عندما انخفضت أسعار العملة الرقمية بشكلٍ حاد بعد أن أعلنت بعض الدول حظرًا على استخدام عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية”.
ويبدو أن الوصمة السلبية حول الطرح الأولي للعملات الرقمية تستمر في العام الجديد، وسط انخفاضٍ عام في أسواق العملات المشفرة بعد كل المستويات المرتفعة في ديسمبر. وفي الولايات المتحدة، قادت هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) الطريق مع موقف جاد تجاه عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية في فبراير ٢٠١٨.
كما قامت هيئة الأوراق المالية والسلع (SCA) في دولة الإمارات العربية المتحدة بتحذير المستثمرين المحليين بشأن المخاطر الملازمة المرتبطة بعمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية. حيث بالنظر إلى أنها لا تخضع للتنظيم في البلد، فليس لدى المستثمرين أي وسيلة للحماية القانونية من الاحتيال.
وفي محاولةٍ لمعالجة هذه المخاوف، من المفهوم أن دولة الإمارات العربية المتحدة على وشك الانتهاء من مسودة للوائح التنظيمية لعمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية في البلاد. وقد تم الإبلاغ عن ذلك في سبتمبر ٢٠١٨، وقادته هيئة الأوراق المالية والسلع في دولة الإمارات العربية المتحدة.
دبي – مدينة بلوكتشين الذكية
في عام ٢٠١٦، تم وضع الأسس لتقوم دبي بالكشف عن الشركات الناشئة التي يمكن أن تساعد في دفع الطريق لتصبح المدينة قائمة على بلوكتشين بالكامل بحلول عام ٢٠٢٠.
وقد أسست حكومة الإمارات مبادرة دبي الذكية في عام ٢٠١٣، وهو مشروعٌ طموح يتطلع إلى توفير أحدث الابتكارات التكنولوجية في جميع أنحاء البلاد، من التكنولوجيا إلى العمليات الحكومية.
وكان جزء أساسي من المبادرة يتمثل في تحسين كفاءة الحكومة باستخدام تقنية بلوكتشين، على أمل جعل دبي رائدة عالمية في المجال. ويشمل هذا الانتقال إلى الأنظمة الرقمية التي ستشهد ابتعاد طلبات التأشيرات، ودفع الفواتير، وتجديد التراخيص عن الوثائق الورقية التقليدية.
ووفقًا لمبادرة دبي الذكية، يمكن لتقنية بلوكتشين إعادة توزيع ما يصل إلى ٢٥ مليون ساعة من الإنتاجية الاقتصادية عن طريق إزالة الحاجة إلى معالجة الوثائق الورقية. كما وعد المشروع بإفادة صناعة السياحة في دبي حيث سيتاح للمسافرين الدوليين الدخول السريع بالتأشيرات والتصاريح الأمنية وجوازات السفر المعتمدة مسبقًا.
كما سيتم تحسين التنقل حول المدينة من خلال تراخيص القيادة المعتمدة وتأجير السيارات، والاتصال اللاسلكي، فضلًا عن المحافظ الرقمية التي تم التصديق عليها بشكلٍ مسبق.
وقد تم إطلاق استراتيجية بلوكتشين الرسمية في أكتوبر ٢٠١٦، بالتعاون مع صندوق سيد فند ١٧٧٦، والتي كانت تبحث عن الشركات التي تقوم بتطوير التطبيقات القائمة على بلوكتشين عبر مجموعة واسعة من الصناعات. وفي عام ٢٠١٧، فازت دبي بجائزة “مشروع المدينة” (City Project) عن استراتيجيتها الشاملة، التي منحها معرض المدينة الذكية والمؤتمر العالمي في برشلونة.
وبالتعاون مع مبادرة دبي الذكية، في أبريل ٢٠١٨، أطلق نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد في نهاية المطاف استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية (بلوكتشين) ٢٠٢١ الأوسع نطاقًا. وفي ذلك الوقت قال الشيخ محمد أن المشروع يمكن أن يوفر على حكومة دولة الإمارات ما يصل إلى ٣ مليارات دولار سنويًا من تكاليف تداول الوثائق، وتحسين جودة الحياة والكفاءة بشكل كبير:
“إن اعتماد هذه التكنولوجيا سوف ينعكس على جودة الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة وسيعزز مستويات السعادة للمواطنين. وسيتم إجراء ٥٠ في المئة من المعاملات الحكومية على المستوى الاتحادي باستخدام تقنية بلوكتشين بحلول عام ٢٠٢١. وستوفر هذه التقنية الوقت والجهد والموارد وتمكّن الأفراد من إجراء معظم معاملاتهم في الوقت المناسب الذي يناسب أسلوب حياتهم وعملهم”.
وقد تحدث كوينتيليغراف مع محمد عرفات، المدير التنفيذي في أبلا بلوكتشين، وهي منصة تساعد على دمج تكنولوجيا بلوكتشين في العمليات الحكومية في عدد من البلدان بما في ذلك الهند والإمارات العربية المتحدة، للحصول على منظور مباشر على مناخ العملات المشفرة الحالي في دبي:
“بالنظر إلى الرؤية التي وضعتها حكومة دبي بأن تصبح”عاصمة بلوكتشين” والالتزام بجعل معظم التطبيقات الحكومية إن لم يكن كلها على بلوكتشين بحلول عام ٢٠٢٠، فإن دبي هي واحدة من أكثر الحكومات مناصرةً لبلوكتشين في المنطقة.”
فعلى مدى الشهرين الماضيين، حققت الإمارات ودبي تقدمًا كبيرًا في تحقيق بعض الأهداف المحددة في مبادرة دبي الذكية.
حيث تم إطلاق شراكة مع دائرة المالية في دبي، وهو نظام مدفوعات قائم على بلوكتشين بالكامل في سبتمبر ٢٠١٨. ويهدف نظام التسديد وتسوية المدفوعات (PRS) إلى السماح للهيئات الحكومية مثل شرطة دبي وهيئة الطرق والمواصلات وهيئة الصحة بدبي بالتعامل في الوقت الحقيقي، مما يعمل على توفير نظام شفاف للعمليات الحكومية الدولية.
ووفقًا لمنفذ الإعلام المحلي “زاوية”، فإن هيئة كهرباء ومياه دبي وهيئة المعرفة والتنمية البشرية تستخدم نظام “التسديد وتسوية المدفوعات”.
ومن المتوقع أيضًا أن يستفيد قطاع السياحة في دبي من تقنية بلوكتشين. ففي مارس ٢٠١٨، تم كشف النقاب عن خطط للسوق الافتراضية الخاصة بالأنشطة التجارية المتعلقة بالسياحة باستخدام بلوكتشين. حيث سيقوم سوق بلوكتشين للسياحة في دبي بتزويد السياح بمنصة تحتوي على أسعار شفافة في الوقت الحقيقي لتوافر الفنادق في دبي.
من الطرق إلى النظام القضائي
يتم الاستفادة من تكنولوجيا بلوكتشين أيضًا لتحسين مجالات الحياة الأخرى في دبي، من شوارع المدينة إلى محاكمها.
وهكذا، أعلنت هيئة الطرق والمواصلات في دبي في فبراير ٢٠١٨ عن خطط لإطلاق نظام قائم على بلوكتشين في عام ٢٠٢٠ من شأنه تتبع دورة حياة السيارات في البلاد.
ووفقًا لمجلة “أريبيان بزنس”، قال رئيس مجلس إدارة “هيئة الطرق والمواصلات”، مطر الطاير، إن المبادرة من المفترض أن تفيد كل لاعب في الصناعة تقريبًا:
“تفيد المنصة العديد من أصحاب المصلحة بما في ذلك شركات صناعة السيارات والتجار والمنظمين وشركات التأمين والمشترين والبائعين وحتى المرائب، حيث تعمل على توفير الشفافية والثقة في المعاملات المتعلقة بالمركبات، إلى جانب ومنع النزاعات وخفض تكلفة الخدمات. فهي تتبع الملكية والبيع وتاريخ الحوادث لإنشاء أنظمة ذكية وأكثر كفاءة لسلاسل التوريد”.
وفي يوليو، أعلنت محاكم مركز دبي المالي العالمي عن شراكةٍ رسمية مع مدينة دبي الذكية من أجل إنشاء “محكمة قائمة على بلوكتشين” لتسهيل التحسينات في النظام القضائي. ومن شأن هذه الخطوة أن تنشئ في نهاية المطاف هيئة قضائية تعمل بالكامل بتقنية بلوكتشين للمساعدة في التحقق من الأحكام القضائية المتعلقة بالإنفاذ عبر الحدود.
برامج طموحة لقيادة الطريق
يبدو أن دولًا مثل مالطا والإمارات العربية المتحدة تقود الطريق من حيث تبني بلوكتشين. فبعد إدراك الفوائد العديدة لهذه التقنية، تم القيام بخطوات واسعة للتقدم بفعالية قبل البلدان الأخرى.
والعامل المهم على ما يبدو هو التوازن بين قبول هذه التكنولوجيا الجديدة مع توفير الأطر اللازمة لضمان حماية المستثمرين.
وتعد استراتيجية بلوكتشين ٢٠٢١ لدولة الإمارات دليلًا واضحًا على الجهود التي تبذلها البلاد لتعزيز تطوير بلوكتشين لتحسين حوكمتها وجودة الحياة للناس في المنطقة.
وهذا الموقف الإيجابي والاستباقي تجاه الصناعة يثبت نقطة، حسبما قال عرفات لكوينتيليغراف:
“من الواضح أن دبي تقود المنطقة كقدوة لتبني بلوكتشين والعملات المشفرة.”
ومع استمرار دبي والإمارات العربية المتحدة في استكشاف وتطوير التكنولوجيا مع استخدام تقنية بلوكتشين، بالإضافة إلى توفير إرشادات لاستخدام الطرح الأولي للعملات الرقمية والعملات المشفرة، تبدو التوقعات في المنطقة إيجابية.