عمليات دعم العملات الأولية “ICOs”: ما بين الابتكار ولوائح التنظيمات
في الأسابيع الاخيرة، أثارت لجنة الأوراق المالية والبورصة (SEC) صدمة مثيرة للقلق تردد صداها في قطاع البلوكشين – حيث أصدرت مذكرات استدعاء إلى الشركات التي أجرت عمليات دعم العملات الأولية (ICOs).
وقد توقعنا من خلال فهم تسلسل الاجراءات التنظيمية أن تقوم لجنة الأوراق المالية والبورصة بسلسلة الإستدعاءات هذه. وأما الذين يعملون في ظل الإفتراض الخاطئ القائل أن البلوكشين وعمليات دعم العملات الأولية وغيرها من الإبتكارات ذات الصلة تعد خارج القوانين الحالية، بحاجة إلى درسٍ بسيطٍ في لوائح التنظيم.
وبالطبع، عمليات التنظيم هي رد فعل بطبيعتها وهي استجابة جوهرية للإبتكار. حيث أن الدورة الطبيعية للتنظيم تبدأ بالإبتكار، الذي كثيراً ما يساء فهمه من قبل الجهات التنظيمية، وتليها فترة من التفسير البيروقراطي وأخيراً تمر بمرحلة التنفيذ. وقد اخذت اللجنة وقتها لتقييم ولفهم تطبيقات قانون الأوراق المالية الفدرالي (FSL) الآثار المقدمة من تقنية السجلات الموزعة.
وخلال هذه الفترة التنظيمية التفسيرية، ظهرت وسائل جديدة مبتكرة لتكوين رأس المال: عمليات دعم العملات الأولية. وفي حين أن لجنة الأوراق المالية والبورصات قد ترفض في البداية النظر إلى الآثار المترتبة على الأوراق المالية التي قدمتها البلوكشين، فإن شعبية عمليات دعم العملات الأولية (التي جمعت أكثر من 6 بلايين دولار من رأس المال غير المنظم ) دفعت على نحو مثير للسخرية بتقييم لجنة الأوراق المالية والبروصة للقطاع في سياق قواعد ولوائح الأوراق المالية.
وتمثل الاستنتاجات الأولية للجنة الأوراق المالية والبروصة، وعدد الطلبات التي يتم إرسالها إلى الكيانات ذات الصلة التابعة لعمليات دعم العملات الأولية، بداية مرحلة التنفيذ. ويبرهن التاريخ على صحة هذا التسلسل، فالابتكارات تأتي أولاً، ثم تليها مرحلة التعريف والتفسير وأخيراً يأتي التنفيذ.
وللإسف، فإن مرحلة التفسير والحيرة التنظيمية المرتبطة بها تعمل على خلق فجوة بين الإبتكار والتنظيم. حيث يتطلب دفع الابتكار فتح آفاق جديدة لدفع عجلة القطاع قدماً، ولكن ستظل (دائماً) خاضعة للتنظيم. والمشكلة هو أنه من المستحيل لهيئات التنظيم والقائمين عليها مواكبة وتيرة الابتكارات. ولذلك، فكلما توسع المبتكرون، ساهموا في خلق بيئة متوحشة تنظيمية يسكنها مجموعتين متميزتين: المخاطرين بالتكنولوجيا الخارجين عن القانون والمحافظين الملتزمين الخائفين من هيئات التنظيم .
وعموماً، يمتلك المخاطرين بالتكنولوجيا عقلية تولي الإبتكار والتطوير أهمية عظمى، ومن ثم يفكرون بعواقبها. مثل: Uber وAirbnb. وإلى حين الاستدعاءات في الآونة الأخيرة، كان قطاع البلوكشين يتألف بشكل رئيسي من التقنيين الخارجين عن القانون الذين يتجاهلون المخالفات المتعلقة بالمصدرين ومنصات التداول ومقدمي الخدمات ومخالفات قانون الأوراق المالية الفدرالي. كما ركزوا بدلاً من ذلك على تحقيق عوائد كبيرة من استثماراتهم في عمليات دعم العملات الأولية غير القضائية (غير القانونية).
أما الآن فقد أوضحت لجنة البورصة والأوراق المالية أنها تعتزم ضمان الامتثال الكامل، من خلال انفاذ بموجب قانون الأوراق المالية الفدرالي .وبذلك فإن محبي عمليات دعم العملات الأولية الذين استفادوا في البداية من المشاركة في هوس tulip سيعانون من العواقب (أو في هذه الحالة من الإستدعاءات). ومن جهة اخرى، فإن أولئك الملتزمين الخائفين من عمليات دعم العملات الأولية، والذين تم الإستهزاء بهم من قبل التقنيين الخارجين عن القانون، قد جنبوا أنفسهم المشاركة في جنون عمليات الدعم تلك. وقد حرموا أنفسهم بهذا الحظر الذي فرضوه على أنفسهم من المشاركة بأي عروض كانت تنتهك قانون الأوراق المالية الفدرالي ومن الكثير من الأرباح المحتملة أيضا.
وللأسف، فقد تم بالفعل خلق الفجوة بين الإبتكار والتنظيم ولا يوجد أي جهة مستفيدة من ذلك. وعندما يتمكن المنظمين في النهاية من اللحاق بالركب، كما يفعلون دائماً، فسيكون التقنيون الخارجون عن القانون هم من سيتحملون كل ذلك. وفي سياق الحديث عن عمليات دعم العملات الأولية، فهذا يعني أن التقنيين الخارجين عن القانون على الأرجح سيتورطون بأوراق مالية غير مسجلة و غير معفاة من الضرائب ولا يمكن تداولها بشكل قانوني كعملات رقمية أو كأوراق مالية في الولايات المتحدة. أي وكأنها أصول لا تمتلك سيولة محلياً على الأقل.
ويمكن القول أن التحقيقات مع المنظمات المستقلة اللامركزية هي أول ضربة موجهة لنا مما في جعبة لجنة البورصة والأوراق المالية. ويدل استباق لجنة البورصة والاوراق المالية للأحداث على وجود لوائح تنظيمية بشكل عام. كما إن عملية التنظيم ذات طبيعة تفاعلية، حيث أن لجنة الأوراق المالية والبوصة يتوجب عليها التفاعل مع قوى السوق لإتخاذ الاجراءات لحماية الاستثمارات.
ويستخدم مصدرو عمليات دعم العملات الأولية عملات ERC-20 لجمع رأس المال من الجمهور، وقد جمعوا مبلغ يفوق 6 مليار دولار من خلال وسائل تعد خارج نطاق القضاء. ومن المرجح أن هؤلاء المصدرين ومقدمي الخدمات والمنصات والمحافظ قد انتهكوا العديد من قوانين لجنة الأوراق المالية والبورصة. ولكن البعض يقول أن اللجنة قد قصرت في أداء مهمتها في حماية المستثمر العام، ولكن هذا أمر قاسي وساذج.
فقد أخذت اللجنة الوقت الكافي لفهم عمليات دعم العملات الأولية والاثار التي قد تترتب على ابتكارات البلوكشين، وتصرفت من خلال استدعاءات، بهدف حماية المستثمر العام بعد مشاهدة العديد من الانتهاكات. ومرة اخرى، نكرر أن عمليات التنظيم بطبيعتها هي رد فعل، وقد جاء رد لجنة البورصة والأوراق المالية بمجرد أن أنهت مرحلة التحليل والتفسير التي أفضت إلى وجود مشكلة.
ومن ناحية أخرى، فإن اللجنة مستعدة الآن بقوة لمعالجة القضايا والانتهاكات المرتبطة بعمليات دعم العملات الأولية وبالتالي الإنتقال لمرحلة التنفيذ. كما أن تسلسل الأحداث، بدءاً بالتقرير عن المنظمات المستقلة اللامركزية وانتهاءاً باستدعاءات شملت مصدري تلك العمليات وبعض مقدمي الخدمات، تتبع النمط التقليدي لهئيات التنظيم. إذا! فالمبتكرون يقومون بعملهم المبتكر، أما المنظمين يقومون بالتقييم ومن ثم الرد. كما أنها ليست مسألة ماذا لو، ولكن السؤال هو متى يتم تطبيق اللائحة وانفاذها. لذلك يجب أن يستعد القطاع الصناعة لموجات من اجراءات الانفاذ والاجراءات الجنائية القادمة.